”أم عصام” و”أم إبراهيم” رحلتا وبقيت قصتهن مع الفانوس
الأكثر مشاهدة
ندى بديوي- هدير حسن
يحل الشهر الكريم، وتتزين معه الشوارع والمنازل بأقدم فلكلور يرتبط بشهر الصيام، الفانوس، الذي انتشرت مع قدم صناعته ورواج تجارته، حكايات صانعيه عبر قرون طويلة، فأصبح كل منهم لديه اسم يحمل علامة أو ماركة مسجلة باتت محفورة في الأذهان.
داخل حي السيدة زينب، أحد أقدم أحياء القاهرة، يلمس الزائر الأجواء الرمضانية، وتهفو إليه رائحة رمضان، فالشوارع مزينة والشوادر مقامة، تحمل من الفوانيس أشكال وألوان وفصال وجدال، وحكايات أيضا. في جولة "احكي" داخلها، عرفنا كيف تمكنت سيدات أن تدير هذه الصناعة وتورثها لأجيال بعدها؟ ورغم الرحيل، ظل اسمها يتردد على الألسن وتذكره القلوب بالحب.
أم عصام
داخل أحد أكبر الشوادر، تصطف الفوانيس وفقا لنوعيتها من الصيني والخشب والخيامية في انتظار المحتفلين بقدوم شهر رمضان، ولكن تلحظ العين فور الدخول صورة لسيدة قاربت على السبعين، معلقة على أحد الأعمدة تتوج "الشادر"، تظهر مبتسمة واضعة إحدى يديها على خدها وفي الخلفية تظهر الكعبة، تشعر عند رؤيتها وكأنها تراقب حركة البيع والشراء.
فور سؤال" أم فاطمة"، التي تدير الشادر، عن صاحبة الصورة دمعت عينيها، ولم تكمل الحديث، فالسيدة الباسمة هي والدتها الحاجة زينب، المشهورة بـ "أم عصام"، واحدة من أشهر تجار الفوانيس بالسيدة، توجهنا الابنة نحو أخيها الأكبر عصام السرس ليخبرنا بفخر "الحاجة زينب هي أساس الشغلانة دي في السيدة.. إحنا أول ناس تبيع فانوس هنا".
قصتها مع هذه التجارة تعود إلى ما يقرب من 50 عاما، استطاعت خلالهما أن تصنع لنفسها اسما وشهرة، والبداية كانت مع زواجها من تاجر فوانيس يحمل اسم عائلة "السرس"، وعملت معه حتى تشربت "الصنعة"، وأصبح لها اسمها يتردد في السوق بسبب مهارتها وذكائها، فأصبحت تقترن التجارة باسمها هي. يصفها ابنها "كانت ست قوية ومعلمة كبيرة من اللي مابقوش موجودين دلوقتي"، استطاعت أن تورث أبناءها الثمانية– ومنهم النساء- مهنتها، يجاورون بعضهم بعضا دون خلافات أو تنافس "إحنا متفاهمين بينا وبين بعض الحمد لله"، وأصبح جزء كبير من هذه التجارة يعود لهم حاليًا.
"اتعلمت منها إن أهم حاجة حب الناس"، فرغم رحيلها الذي يعود إلى ما يقرب من خمس سنوات مضت، إلا أن ذكراها ما زالت تحمل هيبة، كما تحمل حزن ما زال يعشش داخل نفوس أبنائها.
أم إبراهيم
ندخل في حارات جانبية تتفرع من سوق السيدة زينب، لنصل في النهاية إلى ورشة "أم إبراهيم" لتصنيع الفوانيس، الورشة التي ورثتها الابنة الوحيدة عن والدها، وورثها من بعدها الأبناء والأحفاد.
يعود تاريخ الورشة إلى أكثر من 70 عاما، ويذكر ابنها إبراهيم كيف أدارت العمل، الذي نشأت داخل تفاصيله، فكانت دوما برفقة والدها منذ كانت طفلة لم تتعد العشر سنوات، واستمرت بها حتى بعد زواجها وإنجابها لثمانية أبناء نصفهم من الإناث والنصف الأخر من الذكور، وكما نشأت داخل الورشة، ربت أبناءها أيضا على تصنيع الفوانيس.
رحلت أم إبراهيم منذ أكثر من 20 عاما، ولكن ظلت تحمل الورشة اسمها، وترزق أبناءها، وتفتح بيوتهم، حيث يعمل بها أكثر من عشرة أشخاص من الجد إلى الحفيد، أصغرهم 25 عاما، يحملون حب "الصنعة" والسمعة الطيبة التي تركتها الجدة، ويخبرنا أحد الأحفاد "كانت ست بمية راجل".
"الصدق والأمانة، ومخافة ربنا" سر النجاح الذي اعتمدت عليه أم إبراهيم طوال مشوارها، الذي أكمله أولادها الرجال، فما زال الفانوس الصاج المطعم بالرسومات، ومعشق بالزجاج يحمل اسمها، وفي خلال أيام الموسم الرمضاني، يعمل الجميع من الساعة العاشرة صباحا، وحتى الثانية فجرا.
الأبناء الإناث لـ "أم إبراهيم" لم يكملن العمل في هذه الصناعة، ويعلل كامل، أحد الأبناء، أن الوضع لم يعد آمنا كما كان من قبل، فطبيعة صناعة الفوانيس شاقة، كما أن المجتمع المحيط بهم والبيئة التي يعملون بها تخلت، كما يعتقد، عن التقاليد التي تراعي المرأة وتحافظ عليها.
الكاتب
احكي
الخميس ١٨ مايو ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا